Thursday, July 19, 2007

دمياط.. مجتمع بلا فاقد

"الدمايطة لا يرمون أي فضلات بالمرة".. كان هذا رد أحد المنتسبين لمحافظة دمياط المصرية عندما داعبه أحد زملائه بقوله إن الدمايطة يلقون أكياس القمامة الخاصة بهم بعيدا حتى لا يعرف أحد ماذا كانوا يأكلون، خشية الحسد.
فالزوجة الدمياطية تجهز لزوجها قبل توجهه إلى عمله "كيس بلاستيك" يتضمن كل بواقي الطعام من أرز وخبز وخضار مطبوخ ليحمله زوجها معه في سيارته، ويقوم أحد صبيانه بنقل الكيس إلى سطح المنزل، حيث تساهم تلك البواقي في إنتاج لحوم الدواجن والبيض وتقلل من تكلفة شراء الأعلاف.
وتتعدد مشاهد الاستفادة من الفاقد في دمياط، المحافظة الواقعة على المصب الشرقي للنيل بالبحر الأبيض المتوسط، المشهورة بتصنيع الأثاث والتي تدخلها مئات الأطنان من الأخشاب سنويا؛ فقطع الخشب الصغيرة المتناثرة خلال عمليات التصنيع يتم تجميعها ولصقها لاستخدامها في نحت أشكال جمالية تزين الأثاث وهو ما يعرف بصناعة المارتكليه، والمسامير التي تتناثر على الأرض خلال العمل يقوم أحد صبية الورشة بتجميعها ثم تعديل قوامها لإعادة استخدامها مرة أخرى، وفي أثناء عملية تقطيع تلك الأخشاب ينتج عنها غبار من نشارة الخشب، يتم تجميعها وبيعها كوقود للأفران، أو كفرش للعنابر بمزارع تربية الدواجن.
ولا يوجد ترزي رجالي أو حريمي دمياطي يلقي بقصاقيص الأقمشة، ولكن يتم تجميعها حتى يحضر البعض لشرائها كمادة خام لصناعة الكليم، حتى لمبات النيون المحترقة يقوم وافدون من قرية بطرة بمحافظة الدقهلية بشرائها حيث يمكن استخدامها داخل تلك القرية، فالقرية بها محطات لتقوية الإرسال التلفزيوني ذات ضغط عال، تضيء بذبذباته تلك اللمبات المحترقة.
وتماشيا مع هذه الثقافة شهدت دمياط إقامة أول مصنع مصري لتدوير القمامة من خلال تحويلها إلى سماد وفرز الأصناف الأخرى الزجاجية والورقية والبلاستيكية لإعادة تدويرها في صناعات أخرى.
سلوك منزلي يومي
وداخل البيت الدمياطي هناك ركن لتجميع أي بواق لإعادة الاستفادة منها؛ فالعبوات البلاستيكية أو الزجاجية للسلع المختلفة يتم تنظيفها لإعادة توظيفها داخل البيت، سواء كعبوات للأصناف الموجودة بالمطبخ أو لعمل المخللات بها، وأكياس البلاستيك يتم تنظيفها لإعادة استخدامها، حتى الأوراق المكتوب على أحد أوجهها.. لا مانع من إعادة استخدام الناحية الخالية من الكتابة، ويتم إعادة استخدام أشياء كثيرة أخرى بالمنزل كالصحف القديمة أو الملابس المستعملة أو الحبال والدوبارة.
وطريقة عمل الخبز الدمياطي خاصة بالريف تتيح إمكانية استخدامه لأيام طويلة دون تلفه؛ وهو ما يمنع أي هدر في استخدامه، وتقوم المرأة الدمياطية بتخليل قشر اليوسفي بوضعه في شرش الجبن لإنتاج نوع من المخللات، كذلك تحويل البلح في موسم ذروته إلى عجوة يتم استخدامها طوال العام لحشو الكعك أو استخدامها كصنف حلو.
وتحول إعادة استخدام الفاقد إلى جزء من السلوك اليومي للدمياطي، فيذكر أحد الدمايطة من سكان الريف أن والده قد زرع عددًا من الأشجار أمام المنزل بعدد أبنائه، بحيث كان مطلوبا من كل منهم أن يتوضأ من الإبريق بجوار الشجرة المخصصة له ليكون وضوءا وريا للشجرة في نفس الوقت.
لا للخردة
ولا غضاضة لدى الدمياطي أو الدمياطية من تغيير نعل الحذاء عدة مرات كلما تمزق ما دام كان جلد الحذاء سليما، ولا حرج من تغيير ياقة القميص المتقطعة لإطالة استخدام القميص لفترة أطول، ومن هنا فإن عمليات إصلاح الحقائب والأحذية والملابس تجد رواجا بالشارع الدمياطي، كذلك لا غضاضة من استعارة فساتين الزفاف أو استئجارها تقليلا للنفقات.
ولا يؤدي ثراء البعض إلى اتجاههم إلى الإسراف؛ فعلى الرغم من امتلاك الدمياطي الموسر للسيارة فإنه يرشد من استخدامها، ولا مانع لديه من استخدامه الدراجة في المشاوير البسيطة، وكذلك استقلال سيارات الأجرة في المشاوير الطويلة، والمليونير الدمياطي بسيط في مظهره، ويستمر في أداء العمل بيده وسط العمال حتى يدفعهم للإجادة والإتقان.
والدمياطي يوظف وقته جيدا، فإذا حضر إليه ضيف من محافظة أخرى فإنه يرحب به مقدما له مشروبا أو طعاما خفيفا ثم يستمر في أداء عمله في أثناء ذلك، حتى يحين المساء وهو وقت انتهاء العمل وهنا يصبح ملكا لضيفه.
ويوم الجمعة إجازة مقدسة لدى الدمايطة بحيث لا تشذ عنها أي ورشة إنتاجية أيا كان نشاطها، والإجازة السنوية قاصرة على عيدي الفطر والأضحى، وتطول إجازة عيد الفطر لأسبوعين أكثر لأنها تعقب عملا يستمر ليلا ونهارا خلال شهر رمضان لتلبية رغبات زبائن حجرات الأثاث الذين يحرصون على الزواج بالعيد.
اتهام في غير محله
وعلى الرغم من كرم الدمايطة مع أسرهم فإن البخل يظل سيفا مسلطا تجاه الدمايطة، إلى حد اتهامهم بالبخل حتى في الجنس مع زوجاتهم، ويوضح أحد الحرفيين أسباب الاتهام في أن الدمياطي إنسان منتج، فلا يوجد دمياطي لا ينتج قيمة مضافة، فهذا نجار يحول الخشب إلى حجرات أثاث، وهذا حلواني يحول الدقيق والسكر والزيت إلى حلويات، وهذا صانع أحذية يحول الجلود إلى منتجات جلديه وهكذا.
وكل تلك الأعمال تحتاج جهدا جسمانيا، فلو مارس الحرفي الجنس وسط الأسبوع فإنه سيكون مجهدا في اليوم التالي مما يقلل من إنتاجيته، ومن هنا تحرص الغالبية على ممارسة الجنس ليلة الإجازة ليأخذ قسطا من الراحة في اليوم التالي وحتى لا تتأثر قدراتهم الإنتاجية؛ فالعمل والإنتاج هو الأساس الذي تدور حوله حياتهم، وغير ذلك يلي في الأهمية سواء أكان طعاما أو شرابا أو ترفيها أو مظهرا أو ممارسة للجنس.
الأعمال الخيرية.. دعاية
وعلى الرغم من حب الدمايطة للأعمال الخيرية فإنه لا مانع من ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد؛ فمستشفى دمياط التخصصي الذي تكلفت الجهود الذاتية بتجهيزه اعتمد على فكرة التبرع والدعاية في نفس الوقت، فمن تبرع بعدد من الكراسي للمستشفى قام بكتابة اسمه عليها. ومن تبرع بالأسرة الخشبية كرر نفس الأمر.
ومن تبرع بملاءات الأسرة قام بتطريز اسمه عليها وهكذا، كذلك يعتمد نمط التمويل لشراء الخامات أو التوسع بالمشروعات الحرفية على نمط الجمعيات النقدية بين الأقارب والمعارف هروبا من تكلفة الفائدة المصرفية على الاقتراض من البنوك وتقليلا للنفقات كي تسهل المنافسة السعرية بين المنتجين.
وهناك طرفة تترد عن الدمياطي الذي يحرص على ترشيد استهلاك ما لديه من موارد وأدوات، وهي أن دمياطيا احتاج إلى شاكوش لدق مسمار في حائط بيته، فطلب من ابنه الصغير الذهاب لإحضار شاكوش من أحد الجيران؛ فعاد الابن قائلا إن الجار يعمل بالشاكوش حاليا؛ فأرسله إلى جار آخر فعاد يبلغه بعدم وجوده، فأرسله إلى ثالث ثم رابع دون جدوى، وهنا قال لابنه: "أمرنا لله هات الشاكوش بتاعنا من تحت السرير".

Tuesday, July 03, 2007

الصداقة الثقة الأمانة

لا يمكن أن تكون هناك صداقة بدون ثقة
ولا ثقة بدون أمانة


صموئيل جونسون
من كتاب العادات السبع للناس الأكثر فاعلية - ستيفن كوفي